لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم
طبائع لست تحصيهن ألوان
أذكر أن عجوزاً صالحة – وهي أم لأحد الأصدقاء – كانت تمدح أحد أولادها كثيراً .. وترتاح إذا زارها أو تحدث معها .. مع أن بقية أولادها يبرون بها ويحسنون إليها .. لكن قلبها مقبل على ذاك الولد ..
كنت أبحث عن السرّ .. حتى جلست معه مرة فسألته عن ذلك .. فقال لي : المشكلة أن إخواني لا يعرفون طبيعة أمي .. فإذا جلسوا معها صاروا عليها ثقلاء ..
فقلت له مداعباً : وهل اكتشف معاليكم طبيعتها ..!!
ضحك صاحبي وقال : نعم .. سأخبرك بالسرّ ..
أمي كبقية العجائز .. تحب الحديث حول النساء وأخبار من تزوجت وطلقت .. وكم عدد أبناء فلانة .. وأيهم أكبر .. ومتى تزوج فلان فلانة ؟ وما اسم أول أولادهما ..
إلى غير ذلك من الأحاديث التي أعتبرها أنا غير مفيدة .. لكنها تجد سعادتها في تكرارها .. وتشعر بقيمة المعلومات التي تذكرها .. لأننا لن نقرأها في كتاب ولن نسمعها في شريط .. ولا تجدها – قطعاً – في شبكة الإنترنت !!
فتشعر أمي وأنا أسألها عنها أنها تأتي بما لم يأت به الأولون .. فتفرح وتنبسط .. فإذا جالستها حركت فيها هذه المواضيع فابتهجت .. ومضى الوقت وهي تتحدث ..
وإخواني لا يتحملون سماع هذه الأخبار .. فيشغلونها بأخبار لا تهمها .. وبالتالي تستثقل مجلسهم .. وتفرح بي !!
هذا كل ما هنالك ..
نعم أنت إذا عرفت طبيعة من أمامك .. وماذا يحب وماذا يكره .. استطعت أن تأسر قلبه .ومن تأمل في تعامل النبي
يتعامل مع كل شخص بما يتناسب مع طبيعته ..
في تعامله مع زوجاته كان يعامل كل واحدة بالأسلوب الذي يصلح لها ..
عائشة كانت شخصيتها انفتاحية .. فكان يمزح معها .. ويلاطفها ..
ذهبت معه مرة في سفر .. فلما قفلوا راجعين واقتربوا من المدينة .. قال للناس :
تقدموا عنا ..
فتقدم الناس عنه .. حتى بقي مع عائشة ..
وكانت جارية حديثة السن .. نشيطة البدن ..
فالتفت إليها ثم قال : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. وركضت وركضت .. حتى سبقته ..
وبعدها بزمان .. خرجت معه في سفر ..
بعدما كبرت وسمنت .. وحملت اللحم وبدنت ..
فقال للناس : تقدموا .. فتقدموا ..
ثم قال لعائشة : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. فسبقها ..
فلما رأى ذلك ..
جعل يضحك ويضرب بين كتفيها .. ويقول : هذه بتلك .. هذه بتلك ..
بينما كان يتعامل مع خديجة تعاملاً آخر .. فقد كانت تكبره في السن بخمس عشرة سنة ..
حتى مع أصحابه .. كان يراعي ذلك .. فلم يلبس أبا هريرة عباءة خالد .. ولم يعامل أبا بكر كما يعامل طلحة ..
وكان يتعامل مع عمر تعاملاً خاصاً .. ويسند إليه أشياء لا يسندها إلى غيره ..
اختر الكلام المناسب ..
يتبع ما سبق أيضاً طريقة الكلام مع الناس ونوعية الأحاديث التي تثار معهم ..
فإذا جلست مع أحد فأثر الأحاديث المناسبة له ..
وهذا من طبيعة البشر .. فالأحاديث التي تثيرها مع شاب تختلف عن الأحاديث مع الشيخ ..
ومع العالم تختلف عن الجاهل ..
ومع الزوجة تختلف عن الأخت ..
لا أعني الاختلاف التام .. بحيث إن القصة التي تحكيها للأخت لا يصح أن تحكيها للزوجة ! أو التي تذكرها للشاب لا يصح أن يسمعها الشيخ !! لا ..
وإنما أعني الاختلاف اليسير الذي يطرأ على أسلوب عرض القصة وربما كيانها كله ..
وبالمثال يتضح المقال ..
لو جلست مع ضيوف كبار في السن جاوزت أعمارهم الثمانين أقبلوا زائرين لجدك .. فهل من المناسب أن تقص عليهم وأنت ضاحك مستبشر قصتك لما ذهبت مع زملائك للبر ؟! وكيف أن فلاناً سجل هدفاً أثناء لعب الكرة .. وكيف ثبت الكرة برأسه ثم ضربها بركبته .. لا شك أنه غير مناسب ..
وكذلك لو تحدثت مع أطفال صغار .. من غير المناسب أن تذكر لهم قصصاً تتعلق بتعامل الأزواج مع زوجاتهم ..
أظننا نتفق على ذلك ..
إذن من أساليب جذب الناس اختيار الأحاديث التي يحبونها .. وإثارتها ..
كأب له ولد متفوق .. من المناسب أن تسأله عنه .. لأنه بلا شك يفخر به ويحب أن يذكره دائماً ..
أو رجل فتح دكاناً وكسب منه أرباحاً .. فمن المناسب أن تسأله عن دكانه وإقبال الناس عليه .. لأن هذا يفرحه .. وبالتالي يحبك ويحب مجالستك ..
وقد كان النبي يراعي ذلك ..
فحديثه مع الشاب يختلف عن حديثه مع الشيخ .. أو المرأة .. أو الطفل ..