jeudi 8 décembre 2011

أن تعمل نائما جائعا


المنظر يبدو مألوفاً لمن يذهب في الصباح الباكر إلى عمله، حافلة مدرسية وفيها مجموعة من الطلاب بداخلها نائمون وبعضهم شبه نائم وآخرون لا يتحركون ويحدقون في الفراغ، الشمس لتوها أشرقت ولا زال بينها وبين ظهورها من خلف البنايات العالية بضع دقائق والجو بارد رطب. اليوم فقط وبينما كنت أشاهد بعض الطلاب النائمين خطر هذا السؤال في ذهني: متى ينامون؟ وهل تناولوا الإفطار؟

إجابة السؤال الأول في الغالب ستكون: متأخراً، وإجابة الثاني ستكون: لا!


أذكر ما حدث في المدرسة وبالتحديد في الطابور الصباحي في أحد الأيام، الطلاب في قسم من الطابور يتحركون ويعلوا صوتهم على غير العادة، مدرس يخرج من بينهم وهو يحمل طالباً على يديه فقد وعيه وهو واقف وسقط على الأرض الصلبة التي كان يقف عليها، بعض الطلاب يتبعون المدرس وهو ذاهب نحو العيادة، في نفس اليوم وفي حصة هذا المدرس نبهنا إلى اهمية تناول الإفطار لأننا قد نفقد الوعي كما حدث لذلك الطالب وبعضنا قد يصاب بقرحة في المعدة لأنها خالية منذ الصباح.


أما النشاط والنوم فحدث ولا حرج، ليس غريباً أن ترى من ينام في الفصل أو يبدو كسولاً متثائباً طوال الوقت، شخصياً طلبت في بضع مرات أن أعود للمنزل لأنني ببساطة متعب ولا أستطيع البقاء مستيقظاً، في إحدى المرات ذهبت لوكيل المدرسة الذي رفض أن يعطيني إجازة فأخبرته أنني ذاهب لأحمل كتبي وأخرج وبالفعل فعلت ذلك، عدت إلى الفصل واستئذنت من المدرس أن أحمل كتبي وخرجت وعند بوابة المدرسة ألقيت بالتحية على البواب الذي رد بمثلها ولم يوقفني!


إليكم المشكلة: الطلاب يخرجون من المنزل مبكراً أكثر من اللازم، ليس هناك وقت للنوم أو الإفطار وهذا ليس صحياً ولا في مصلحتهم، نفس المشكلة تتكرر مع الموظفين مع أنني أعلم يقيناً أن هناك من يفضل النظام الحالي لكي يعود إلى المنزل في الظهيرة بدلاً من العصر ومن ناحية أخرى أعلم أن هناك من يفضل الذهاب إلى العمل متأخراً لكي يجد وقتاً للنوم أو للإفطار.


المشكلة في الدوام المبكر أنه لا يعطي فرصة للمرء بأن يأخذ وقته في إعداد وتناول الإفطار، نتيجة لذلك هناك كثير من الناس اعتادوا على عدم تناول الإفطار أو بعضهم اتجه إلى البدائل السريعة الجاهزة التي توفرها محلات البقالة أو المطاعم الهندية وهي بدائل غير صحية، ولعل البعض يكون أكثر حكمة بإعداد شيء قبل النوم لتناوله قبل الخروج من المنزل في صباح اليوم التالي


يفترض بالمدراء أن يفكروا بالأمر جدياً لأن هذا يؤثر على عدد كبير من الناس، لم يفرض على الجميع أن يأتوا إلى العمل في وقت واحد؟ يفترض بجهات العمل أن توفر نظاماً مرناً يسمح للناس بالحضور والخروج في الوقت المناسب لهم، بعض الوظائف يجب أن تربط بالإنجاز لا بالوقت الذي يقضيه الموظف خلف مكتبه، بعض الوظائف تحتاج من الموظف أن يقضي فترة محددة وهو يعمل من الساعة كذا إلى الساعة كذا، بعض الوظائف يمكن إنجازها في أي وقت ولا تتطلب حضور الموظف في ساعة محددة وبالتالي يمكنه أن يبدأ عمله في العاشرة صباحاً لو أراد ويعود بعد أن يكمل عدداً محدداً من الساعات.


المرونة ضرورية في شؤون الإدارة وأسلوب تفكير "حل واحد لكل الموظفين" هو أسلوب كسول لا يريد أن يفكر وللأسف يجد البعض مبررات له، كأن يقول أحدهم "ظلم الجميع عدل" أو يأتي بحجة العدل والمساواة بين الجميع في حين أن مكان العمل يجب أن يفكر بطريقة أخرى، ما هي مصلحة الموظف؟ كيف نوفر أفضل بيئة للموظف ليعطي أفضل ما عنده؟ ما هي ظروف الموظف والتي تتعارض مع إجراءات العمل وكيف نوافق بينها؟


أما المدارس فلا بد من أن نراجع وقت الدوام المدرسي وربما نؤخره إلى الساعة التاسعة كما يحدث في العديد من بلدان العالم، هذا نقطة أما الأخرى فالمدارس لها دور توعوي كبير ويفترض بها أن تخبر الطلاب مراراً وتكراراً بأهمية تناول الإفطار وفوائده ومضار عدم تناوله وكذلك تخبرهم عن نوعية الإفطار الجيد لبناء أجسادهم.


أما النوم فهو مشكلة ثقافية قبل أن يكون مشكلة إدارية، مؤسف حقاً أن نتخلى عن حكمة الماضي في هذا الجانب، الناس في الماضي كانوا ينامون بعد صلاة العشاء وهذا ما يفترض أن يحدث في بلداننا، اليوم لدينا ملهيات كثيرة تجعلنا نسهر أو نجعلها سبباً لسهرنا ثم يخرج كثير مناً باكراً إلى عمله دون نوم كافي، لا داعي للحديث عن النشاط والإنتاجية هنا.


أرى أن كل أسرة في يدها الحل فهذا أمر يجب أن يتفق عليه أفراد الأسرة، لا فائدة من أن يحاول فرد تغيير عادات النوم في حين أن محيطه لا يساعده على ذلك ولدي خبرة كافية لإثبات هذه النقطة! لا أعني بذلك أن على الجميع النوم في نفس الوقت وإن كانت هذه فكرة رائعة لكن على الأقل على الجميع أن يتفقوا أنه بعد الساعة كذا يفترض أن يكون وقت الهدوء والراحة وبالتالي لا للإزعاج ولا للإضاءة الزائدة عن الحاجة، هذا توقيت يعني أن مرحلة النوم والراحة بدأت ويفترض ألا يزعج أحد الآخرين.


نحن كمجتمع بحاجة لإعادة التفكير في أفكار كثيرة متعلقة بالعمل والنوم والطعام، حكمة الماضي يجب أن نستفيد منها ولسنا بحاجة للعلم لكي يثبت لنا أن النوم المبكر أو تناول الإفطار مفيد وضروري.

samedi 3 décembre 2011

La vie ne te donne pas les personnes que tu veux. Elle te donne ceux dont tu as besoin, pour t'aimer, pour t'aider, pour te quitter, pour te blesser et faire de toi la personne que tu es

الناس كمعادن الأرض





لو تأملت في الناس لوجدت أن لهم طبائع كطبائع الأرض ..
فمنم الرفيق اللين .. ومنهم الصلب الخشن .. ومنهم الكريم كالأرض المنبتة الكريمة .. ومنهم البخيل كالأرض الجدباء التي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ..
إذن الناس أنواع ..
ولو تأملت لوجدت أنك عند تعاملك مع أنواع الأرض تراعي حال الأرض وطبيعتها ..
فطريقة مشيك على الأرض الصلبة .. تختلف عن طريقتك في المشي على الأرض اللينة .. فأنت حذر متأنِّ في الأولى .. بينما أنت مرتاح مطمئن في الثانية ..
وهكذا الناس ..
( إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم :
·       الأحمر
·       والأبيض
·       والأسود
·       وبين ذلك
·       والسهل
·       والحزن
·       والخبيث
·       والطيب ) .. 
فعند تعاملك مع الناس انتبه إلى هذا – وانتبهي - سواء تعاملت مع :
قريب كأب وأم وزوجة وولد ..
أو بعيد كجار وزميل وبائع ..
ولعلك تلاحظ أن طبائع الناس تؤثر فيهم حتى عند اتخاذ قراراتهم ..
وحتى تتيقن ذلك .. اعمل هذه التجربة :
إذا وقعت بينك وبين زوجتك مشكلة .. فاستشر أحد زملائك ممن تعلم أنه صلب خشن .. قل له : زوجتي كثيرة المشاكل معي .. قليلة الاحترام لي .. فأشر عليَّ ..
كأني به سيقول : الحريم ما يصلح معهن إلا العين الحمراء !! دقَّ خشمها ! خل شخصيتك قوية عليها !! كن رجلاً !!
وبالتالي قد تثور أنت ويخرب عليك بيتك بهذه الكلمات ..
أكمل التجربة ..
اذهب إلى صديق آخر تعرف أنه هين لين لطيف .. وقل له ما قلت للأول ..
ستجد حتماً أنه يقول : يا أخي هذه أم عيالك .. وما فيه زواج يخلو من مشاكل .. اصبر عليها .. وحاول أن تتحملها .. وهذه مهما صار فهي زوجتك .. وشريكتك في الحياة ..
فانظر كيف صارت طبيعة الشخص تؤثر في آرائه وقراراته ..
لذلك نهى النبي أن يقضي القاضي بين اثنين وهو عطشان ! أو جوعان ! أو حابس لبول أو غائط ! لأن هذه الأمور قد تغير نفسيته .. وبالتالي قد تؤثر عليه في اتخاذ قراره في الحكم ..
كان في الأمم السابقة رجل سفاح !! سفاح ؟! نعم سفاح .. لم يقتل رجلاً واحداً ولا اثنين .. ولا عشرة .. وإنما قتل تسعاً وتسعين نفساً ..
لا أدري كيف نجا من الناس وانتقامهم .. لعله كان مخيفاً جداً إلى درجة أنه لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه .. أو أنه كان يتخفى في البراري والمغارات .. لا أدري بالضبط .. المهم أنه ارتكب 99 جريمة قتل !!
ثم حدثته نفسه بالتوبة .. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عابد في صومعته .. لا يكاد يفارق مصلاه .. يمضي وقته ما بين بكاء ودعاء .. هين لين عاطفته جياشة ..
دخل هذا الرجل على العابد .. وقف بين يديه ثم فجعه بقوله : أنا قتلت تسعاً وتسعين نفساً .. فهل لي من توبة ؟
هذا العابد .. أظنه لو قتل نملة من غير قصد لقضى بقية يومه باكياً متأسفاً .. فكيف سيكون جوابه لرجل قتل بيده 99 نفساً ..
انتفض العابد .. ولم يتخيل 99 جثة بين يديه يمثلها هذا الرجل الواقف أمامه ..
صاح العابد : لا .. ليس لك توبة .. ليس لك توبة ..
ولا تعجب أن يصدر هذا الجواب من عابد قليل العلم .. يحكم في الأمور بعاطفته ..
هذا القاتل لما سمع الجواب .. وهو الرجل الصلب الخشن .. غضب واحمرت عيناه .. وتناول سكينه ثم انهال طعناً في جسد العابد حتى مزقه .. ثم خرج ثائراً من الصومعة ..
ومضت الأيام .. فحدثته نفسه بالتوبة مرة أخرى ..
فسأل عن أعلم أهل الأرض .. فدله الناس على رجل عالم ..
مضى يمشي حتى دخل على العالم .. فلما وقف بين يديه فإذا به يرى رجلاً رزيناً يزينه وقار العلم والخشية ..
فأقبل القاتل إليه سائلاً بكل جرأة : إني قتلت مائة نفس !! فهل لي من توبة ؟!
فأجابه العالم فوراً : سبحاااان الله ..!! ومن يحول بينك وبين التوبة ؟!!
جواب رائع !! فعلاً من يحول بينه وبين التوبة ؟! فالخالق في السماء لا تستطيع أي قوة في العالم ان تحول بينك وبين الإنابة إليه والانكسار بين يديه ..
ثم قال العالم الذي كان يتخذ قراراته بناء على العلم والشرع .. لا بناء على طبيعته ومشاعره .. أو قل على عاطفته وأحاسيسه ..
قال العالم : لكنك بأرض سوء ..
عجباً ! كيف علم ؟ عرف ذلك بناء على كبر الجرائم وقلة الـمُدافع له الـمُنكِر عليه .. فعلم أن البلد أصلاً ينتشر فيها القتل والظلم إلى درجة أنه لا أحد ينتصر للمظلوم ..
قال : إنك بأرض سوء .. فاذهب إلى بلد كذا وكذا فإن بها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم ..
ذهب الرجل يمشي تائباً منيباً .. فمات قبل أن يصل إلى البلد المقصود ..
نزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ..
فأما ملائكة الرحمة فقالت : أقبل تائباً منيباً ..
وأما ملائكة العذاب فقالت : لم يعمل خيراً قط ..
فبعث الله إليهم ملكاً في صورة رجل ليحكم بينهم .. فكان الحكم أن يقيسوا ما بين البلدين .. بلد الطاعة وبلد المعصية .. فإلى أيتهما كان أقرب  فإنه لها ..
وأوحى الله تعالى إلى بلد الرحمة أن تقاربي .. وإلى بلد المعصية أن تباعدي .. فكان أقرب إلى بلد الطاعة فأخذته ملائكة الرحمة ..
حتى المفتين في المسائل الشرعية تجد مع الأسف أن بعضهم تغلبه عاطفته أحياناً ..
أذكر أن أحد جيراني كان كثير الخلافات مع زوجته ..
اشتد الخلاف يوماً فطلقها تطليقه .. ثم راجعها ..
ثم اشتد أخرى .. فطلقها ثانية .. ثم راجعها ..
وكنت كلما قابلته أحذره وأوصيه .. وأذكره بأبنائه الصغار .. وأهمية اعتبارهم والعناية بهم .. وأكرر عليه :
لم يبق لك إلا طلقة واحدة – الثالثة – فإن أوقعتها لم تحل لك مراجعتها إلا بعد زواجها من آخر وتطليقه لها .. فاتق الله .. ولا تخرب بيتك ..
حتى جاءني يوماً متغير الوجه وقال : يا شيخ تخاصمنا وطلقتها الثالثة !!
وهذا الكلام منه ليس غريباً .. إنما الغريب أنه قال بعدها : ما تعرف لي شيخاً حبيباً يفتيني الآن أراجعها !!
فعجبت منه .. ثم تأملت في الحال فاكتشفت ما تقرر قبل قليل أن كثيراً من الناس تختلف آراؤهم – وربما اختياراتهم الفقهية – تأثراً بعاطفته وطبيعته ..
وبعض الناس تعلم من طبيعته أنه شديد الحب للمال .. فلا تعجب إذا رأيته يذل نفسه لأرباب الأموال .. يهمل أولاده وبيته لأجل جمعه .. يقتر على من يعول .. لا تعجب فهو طماع .. بل إن اتخاذه لقراراته وتبنيه لقناعاته ينبني كثيراً على هذه الطبيعة .. فإذا أردت أن تتعامل معه أو تطلب منه شيئاً فضع في نفسك قبل أن تتكلم أنه محب للمال .. فحاول أن لا تعارض هذه الطبيعة فيه حتى تحصل على ما تريد منه ..
ولأن الأمثلة مفاتيح الفهوم .. خذ مثالاً :
نفرض أنك زرت مستشفى وقابلت مصادفة صديقاً قديماً كان زميلاً لك أيام الجامعة .. فدعوته إلى وليمة غداء في بيتك .. فوافق ..
فذهبت إلى السوق واشتريت حاجات ثم رجعت إلى البيت لتستعد وجعلت تتصل بعدد من زملائكم السابقين تدعوهم لمشاركتكم الوليمة ورؤية صاحبك .. من بين هؤلاء صديق - من البخلاء الذين استولى حب المال على قلوبهم - اتصلت به فرحب وحيَّا .. فلما أخبرته عن الوليمة .. قال : آآه .. يا ليتني أستطيع الحضور ورؤية فلان .. لكني مرتبط بشغل هااام .. فبلغه سلامي .. ولعلي أراه في وقت آخر ..
فأدركت أنت من معرفتك بطبيعته أنه يخشى أن يجيء .. فيضطر إلى أن يدعو الضيف إلى بيته ويصنع له وليمة تكلفه مبلغاً وقدره .. !! وهو يريد التوفير ..
فقلت له : عموماً هذا الضيف لن يبقى في البلد سيسافر بعد الغداء مباشرة .. فقال : آآآ .. إذن سأؤجل شغلي وآتي لرؤيته !!
وبعض من تخالطهم من الناس يكون اجتماعياً أسرياً


 
.. يحب أسرته .. لا يصبر على فراقهم .. اطلب منه أي شيء إلا أن يبتعد عن أولاده بسفر أو نحوه .. فلا تكلفه ما لا يطيق ..
إلى غير ذلك من طبائع الناس ..
يعجبني بعض الناس الذي يملك فن اصطياد جميع القلوب ..
فإذا سافر مع بخلاء اقتصد حتى لا يحرجهم فأحبوه ..
وإن جالس عاطفيين زاد من نسبة عاطفته فأحبوه ..
وإن مشى مع فكاهيين مرحين ضحك ومزح وجاملهم فأحبوه ..
يلبس لكل حالة لبوسها ..

samedi 26 novembre 2011

إشارة .. أحسن النية .. لتكون مهارات تعاملك مع الآخرين عبادة تتقرب بها إلى الله ..




لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم
طبائع لست تحصيهن ألوان
أذكر أن عجوزاً صالحة – وهي أم لأحد الأصدقاء – كانت تمدح أحد أولادها كثيراً .. وترتاح إذا زارها أو تحدث معها .. مع أن بقية أولادها يبرون بها ويحسنون إليها .. لكن قلبها مقبل على ذاك الولد ..
كنت أبحث عن السرّ .. حتى جلست معه مرة فسألته عن ذلك .. فقال لي : المشكلة أن إخواني لا يعرفون طبيعة أمي .. فإذا جلسوا معها صاروا عليها ثقلاء ..
فقلت له مداعباً : وهل اكتشف معاليكم طبيعتها ..!!
ضحك صاحبي وقال : نعم .. سأخبرك بالسرّ ..
أمي كبقية العجائز .. تحب الحديث حول النساء وأخبار من تزوجت وطلقت .. وكم عدد أبناء فلانة .. وأيهم أكبر .. ومتى تزوج فلان فلانة ؟ وما اسم أول أولادهما ..
إلى غير ذلك من الأحاديث التي أعتبرها أنا غير مفيدة .. لكنها تجد سعادتها في تكرارها .. وتشعر بقيمة المعلومات التي تذكرها .. لأننا لن نقرأها في كتاب ولن نسمعها في شريط .. ولا تجدها – قطعاً – في شبكة الإنترنت !!
فتشعر أمي وأنا أسألها عنها أنها تأتي بما لم يأت به الأولون .. فتفرح وتنبسط .. فإذا جالستها حركت فيها هذه المواضيع فابتهجت .. ومضى الوقت وهي تتحدث ..
وإخواني لا يتحملون سماع هذه الأخبار .. فيشغلونها بأخبار لا تهمها .. وبالتالي تستثقل مجلسهم .. وتفرح بي !!
هذا كل ما هنالك ..
نعم أنت إذا عرفت طبيعة من أمامك .. وماذا يحب وماذا يكره .. استطعت أن تأسر قلبه .ومن تأمل في تعامل النبي
يتعامل مع كل شخص بما يتناسب مع طبيعته ..
في تعامله مع زوجاته كان يعامل كل واحدة بالأسلوب الذي يصلح لها ..
عائشة كانت شخصيتها انفتاحية .. فكان يمزح معها .. ويلاطفها ..
ذهبت معه مرة في سفر .. فلما قفلوا راجعين واقتربوا من المدينة .. قال للناس :
تقدموا عنا ..
فتقدم الناس عنه .. حتى بقي مع عائشة ..
وكانت جارية حديثة السن .. نشيطة البدن ..
فالتفت إليها ثم قال : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. وركضت وركضت .. حتى سبقته ..
وبعدها بزمان .. خرجت معه   في سفر ..
بعدما كبرت وسمنت .. وحملت اللحم وبدنت ..
فقال للناس : تقدموا .. فتقدموا ..
ثم قال لعائشة : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. فسبقها ..
فلما رأى ذلك ..
جعل يضحك ويضرب بين كتفيها .. ويقول : هذه بتلك .. هذه بتلك ..
بينما كان يتعامل مع خديجة تعاملاً آخر .. فقد كانت تكبره في السن بخمس عشرة سنة ..
حتى مع أصحابه .. كان يراعي ذلك .. فلم يلبس أبا هريرة عباءة خالد .. ولم يعامل أبا بكر كما يعامل طلحة ..
وكان يتعامل مع عمر تعاملاً خاصاً .. ويسند إليه أشياء لا يسندها إلى غيره ..
 
           اختر الكلام المناسب ..
يتبع ما سبق أيضاً طريقة الكلام مع الناس ونوعية الأحاديث التي تثار معهم ..
فإذا جلست مع أحد فأثر الأحاديث المناسبة له ..
وهذا من طبيعة البشر .. فالأحاديث التي تثيرها مع شاب تختلف عن الأحاديث مع الشيخ ..
ومع العالم تختلف عن الجاهل ..
ومع الزوجة تختلف عن الأخت ..
لا أعني الاختلاف التام .. بحيث إن القصة التي تحكيها للأخت لا يصح أن تحكيها للزوجة ! أو التي تذكرها للشاب لا يصح أن يسمعها الشيخ !! لا ..
وإنما أعني الاختلاف اليسير الذي يطرأ على أسلوب عرض القصة وربما كيانها كله ..
وبالمثال يتضح المقال ..
لو جلست مع ضيوف كبار في السن جاوزت أعمارهم الثمانين أقبلوا زائرين لجدك .. فهل من المناسب أن تقص عليهم وأنت ضاحك مستبشر قصتك لما ذهبت مع زملائك للبر ؟! وكيف أن فلاناً سجل هدفاً أثناء لعب الكرة .. وكيف ثبت الكرة برأسه ثم ضربها بركبته .. لا شك أنه غير مناسب ..
وكذلك لو تحدثت مع أطفال صغار .. من غير المناسب أن تذكر لهم قصصاً تتعلق بتعامل الأزواج مع زوجاتهم ..
أظننا نتفق على ذلك ..
إذن من أساليب جذب الناس اختيار الأحاديث التي يحبونها .. وإثارتها ..
كأب له ولد متفوق .. من المناسب أن تسأله عنه .. لأنه بلا شك يفخر به ويحب أن يذكره دائماً ..
أو رجل فتح دكاناً وكسب منه أرباحاً .. فمن المناسب أن تسأله عن دكانه وإقبال الناس عليه .. لأن هذا يفرحه .. وبالتالي يحبك ويحب مجالستك ..
وقد كان النبي يراعي ذلك ..
فحديثه مع الشاب يختلف عن حديثه مع الشيخ .. أو المرأة .. أو الطفل ..